في إطار شراكة استراتيجية غير مسبوقة بين الجزائر وإيطاليا، أطلقت الحكومتان سلسلة من المشاريع العملاقة ضمن "مبادرة ماتاي" الاقتصادية، التي خصصت لها روما ميزانية ضخمة تبلغ 5.5 مليار يورو لدعم التنمية في إفريقيا، وتحديدًا في الجزائر التي أصبحت محورًا رئيسيًا لهذه الخطة الطموحة. تتوزع هذه المشاريع على قطاعات استراتيجية حيوية مثل الزراعة والطاقة والصناعة، مما يعكس رغبة البلدين في بناء تعاون طويل الأمد يقوم على تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز التكامل الاقتصادي بين الضفتين.
في المجال الزراعي، وقعت الجزائر وإيطاليا اتفاقية ضخمة بقيمة 420 مليون يورو لتطوير زراعة الحبوب والبقوليات الجافة، حيث سيتم استغلال 36 ألف هكتار في ولاية تيميمون بالجنوب الجزائري لإنتاج القمح، العدس، الفاصوليا والحمص. ومن المنتظر أن يسهم هذا المشروع في تحقيق الأمن الغذائي وتقليص فاتورة الواردات الغذائية، فضلًا عن تصدير العجائن الغذائية بفضل مصنع جديد سيتم تشييده ضمن هذه المبادرة، مما سيمكن الجزائر من ولوج أسواق جديدة خارج قطاع المحروقات.
كما ستساهم هذه الاتفاقية في خلق 6,700 فرصة عمل جديدة، وتعزيز القدرات المحلية في إنتاج القمح الصلب، حيث ستوجه نسبة 60% من الإنتاج إلى المخزون الاستراتيجي الوطني، بينما ستُخصص 40% للتصنيع والتصدير. ولا شك أن هذا المشروع يعكس حرص الحكومة الجزائرية على تنفيذ المخطط الوطني لتطوير الزراعات الاستراتيجية، بما فيها الحبوب، البقوليات، النباتات الزيتية والسكرية، البذور والحليب.
وفي قطاع الطاقة، تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركتي سوناطراك وسونلغاز الجزائريتين وشركة "إيني" الإيطالية لإنجاز مشروع ضخم لإنشاء كابل كهربائي بحري يربط الجزائر بإيطاليا، تحديدًا بجزيرة سردينيا، بطاقة نقل أولية تصل إلى 1000 ميغاوات سنويًا. يهدف هذا المشروع الطاقوي إلى تصدير الكهرباء النظيفة للأسواق الأوروبية، في إطار خطط الجزائر لتعزيز مكانتها كمزود رئيسي للطاقة الخضراء، خاصة مع توفر فائض في إنتاج الكهرباء بلغ 6000 ميغاوات بفضل الاستثمارات الضخمة التي جعلتها من أكبر منتجي الكهرباء في إفريقيا.
وفي ظل أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وتراجع الإمدادات الروسية، يمثل هذا المشروع خطوة حاسمة لتنويع مصادر الطاقة في أوروبا، وهو ما يجعل المفوضية الأوروبية تدعمه باعتباره مشروعًا ذا مصلحة مشتركة. كما يتماشى هذا التعاون مع خطة الجزائر لإنتاج 5000 ميغاوات من الطاقة المتجددة بحلول 2030، ضمن مشروعي "سولار 2000" و"سولار 1000".
أما في قطاع الصناعة، فقد عرض مجمع "إيفيكو" الإيطالي مشروعًا لتصنيع السيارات النفعية في الجزائر، بهدف تلبية احتياجات السوق المحلية مع آفاق التصدير لاحقًا. المشروع يشمل نقل التكنولوجيا، تدريب العمالة الجزائرية، وتعزيز نسبة الإدماج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد. وتولي الحكومة الجزائرية أهمية خاصة لهذا المشروع ضمن استراتيجيتها لتطوير صناعة السيارات وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي.
وفي المجال الصحي، تم توقيع اتفاقية شراكة بين الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء (CNAS) والمجمع الاستشفائي الإيطالي "سان دوناتو"، بهدف تعزيز التكفل الصحي بالمرضى الجزائريين داخل وخارج الوطن، وتبادل الخبرات وتدريب الكوادر الطبية الجزائرية، لا سيما في جراحة القلب والشرايين للأطفال.
تعكس هذه المشاريع الأربع الأبعاد المتعددة لمبادرة "ماتاي"، التي تهدف إلى جعل الجزائر قطبًا إقليميًا في الزراعة، الطاقة، الصناعة والصحة، وتعزيز مكانتها كشريك موثوق به في مشاريع التنمية المستدامة التي تخدم مصلحة الشعبين الجزائري والإيطالي.