هل تصدق أن الجزائر، هذه الدولة الشاسعة الواقعة في قلب إفريقيا، لا تتجاوز ديونها الخارجية 2% من ناتجها المحلي الإجمالي؟ في وقت تعاني فيه معظم دول العالم من مديونيات خانقة وضغوط اقتصادية هائلة، تبرز الجزائر كقوة مالية واقتصادية نادرة، تجمع بين الموارد الطبيعية الهائلة والسياسات الاقتصادية المتزنة.
بلد الثروات الهائلة
تعد الجزائر من أغنى الدول في المنطقة من حيث الثروات الطبيعية، فهي تمتلك 159 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يضعها ضمن قائمة العشر الأوائل عالميًا. كما أن احتياطياتها النفطية تتجاوز 12.2،
هذه الموارد تجعل من المحروقات المصدر الأساسي للعملة الصعبة في البلاد، حيث تمثل 90% من إجمالي صادرات الجزائر. وبفضل هذا التفوق في قطاع الطاقة، أصبحت الجزائر شريكًا استراتيجيًا لأوروبا، خاصة في ظل الأزمات العالمية المتتالية، وارتفاع الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي.
اقتصاد متين وديون شبه معدومة
رغم اعتماد الجزائر الكبير على المحروقات، فإن أكثر ما يميز اقتصادها هو انخفاض مستوى المديونية الخارجية، إذ لا تتعدى ديونها 3.2 مليار دولار فقط، وهو رقم ضئيل مقارنة بجيرانها، مثل تونس والمغرب ومصر، الذين تتجاوز ديونهم الخارجية نسبة 70% من ناتجهم المحلي.
هذا الوضع الفريد يمنح الجزائر حرية القرار المالي بعيدًا عن قيود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما يسمح لها بوضع سياسات اقتصادية متوازنة تحميها من الأزمات العالمية المفاجئة، مثل تلك التي حدثت في عام 2014 عندما انهارت أسعار البترول.
الزراعة... القطاع الذي ينتظر الانطلاقة الكبرى
ورغم قوة قطاع الطاقة، تدرك الجزائر أهمية تنويع مصادر دخلها، ولذلك تسعى منذ سنوات لتطوير قطاع الزراعة. بدأت هذه الجهود بعد الاستقلال، لكنها واجهت صعوبات كبيرة بسبب نقص الخبرة والمعدات. في الثمانينات، أطلقت الحكومة إصلاحات زراعية واسعة، سمحت فيها بتوزيع الأراضي ومنحت القروض للفلاحين.
وخلال العقد الماضي، تضاعفت الاستثمارات الزراعية بنسبة 200%، في مسعى لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، خصوصًا مع تهديدات التغير المناخي والجفاف، الذي تسبب في بعض السنوات بانخفاض الإنتاج بنسبة 15% .
أزمة كورونا... واختبار القوة
مثل معظم دول العالم، تعرضت الجزائر لضغوط بسبب جائحة كورونا، لكنها استطاعت التعافي بسرعة بفضل قطاع الطاقة، حيث ارتفعت صادرات المحروقات بنسبة 40% في 2022، ما ساهم في رفع احتياطي البلاد من العملة الصعبة إلى 61.7 مليار دولار.
كما خصصت الدولة ميزانيات إضافية لدعم قطاعات الصحة والتعليم، مما ساعد على تجاوز الأزمة بأقل الأضرار، مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
التحدي الأكبر: البطالة
رغم هذه النجاحات، لا تزال نسبة البطالة بين الشباب تتجاوز 30%،
الحكومة بدأت بالفعل إجراءات لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين بيئة الأعمال، رغم أنها لا تزال بحاجة لتسهيل الإجراءات وتقليل البيروقراطية، لجعل السوق الجزائري أكثر جذبًا للمستثمرين.
الجزائر... الاقتصاد الإفريقي القادم؟
باختصار، الجزائر دولة تمتلك كل مقومات الصعود الاقتصادي الكبير: ثروات طبيعية هائلة، دين خارجي منخفض للغاية، بنية تحتية في تطور مستمر، وسياسات مالية حذرة. ومع استمرار مشاريع التنويع الاقتصادي والاستثمار في القطاعات غير النفطية، يمكن للجزائر أن تتحول في السنوات القادمة إلى أحد أكبر اقتصادات إفريقيا وأكثرها تأثيرًا في المنطقة والعالم.