تشهد الجزائر تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في مسارها الصناعي، بعدما أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن إطلاق مشروع وطني ضخم لإعادة إحياء قطاع تصنيع الهواتف الذكية بأيدٍ وخبرات جزائرية خالصة. هذه الخطوة تُعد جزءًا من رؤية شاملة تهدف إلى تقليل التبعية التقنية للخارج وبناء قاعدة صناعية متطورة تستطيع منافسة كبار المصنعين العالميين، بل وفتح الأسواق الإفريقية والأوروبية أمام المنتجات الجزائرية.
في هذا السياق، لعبت شركة "كوندور إلكترونيكس" دورًا محوريًا بوصفها رمزًا للابتكار الوطني، إذ سبق لها تصدير منتجات إلكترونية مطابقة للمواصفات الدولية. وتحت إشراف الحكومة، يجري العمل على تحديث مصانعها وزيادة طاقتها الإنتاجية لتصل إلى 6000 هاتف يوميًا، ما يعادل مليوني وحدة سنويًا، في إطار خطة طموحة تهدف لتلبية الطلب المحلي والاتجاه بقوة نحو التصدير.
من الثورة التقنية إلى السيادة الصناعية
لم يكن أحد ليتصور أن الهاتف المحمول، الذي تم اختراعه لأول مرة عام 1973 على يد المهندس مارتن كوبر في شركة موتورولا الأمريكية، سيصبح أساس صناعة عالمية تُدر مئات المليارات من الدولارات سنويًا. هذا القطاع الذي تطور ليشمل مليارات المستخدمين حول العالم، أصبح اليوم ضرورة حياتية وليس مجرد وسيلة ترفيه، خاصة مع انتشار شبكات الجيل الخامس والتحضير لتقنيات الجيل السادس.
ووفقًا لتقارير سوقية حديثة، من المتوقع أن يصل حجم صناعة الهواتف الذكية عالميًا إلى 1.92 تريليون دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي يبلغ 4.1%. هذا التطور الهائل شجع دولاً كثيرة – بينها الجزائر – على دخول هذا المجال الواعد بقوة، خاصة أن منطقتي إفريقيا والشرق الأوسط من أسرع الأسواق نموًا خلال السنوات المقبلة.
تحديات الداخل وطموحات التصدير
رغم أن الجزائر سبق أن دخلت هذا المجال منذ سنوات، إلا أن الصناعة المحلية عانت من فوضى في الاستيراد والتجميع دون قيمة مضافة حقيقية. لكن إعلان الرئيس تبون جاء ليقطع الطريق على هذا المسار العشوائي، ويدشن عصرًا جديدًا من التصنيع الحقيقي المعتمد على رفع نسب الإدماج المحلي، تحسين الجودة، وتعزيز الابتكار الداخلي.
وتهدف الحكومة الجزائرية من خلال هذه الاستراتيجية إلى دعم الشركات الوطنية مثل "كوندور" ومؤسسات برمجيات وخدمات الصيانة، بالإضافة إلى تقديم مزايا ضريبية وتسهيلات جمركية للمستثمرين المحليين والأجانب الذين يلتزمون بنسب إدماج مرتفعة. كما يتم التخطيط لعقد شراكات استراتيجية مع شركات عالمية مثل سامسونغ وإنجي، من أجل نقل التكنولوجيا وتوطين الخبرات في البلاد.
وتدعم هذه الرؤية الخطة الحكومية الشاملة "رؤية الجزائر 2030"، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني، تقليص الاعتماد على النفط والغاز، وتحقيق ثورة صناعية حقيقية تعزز من تنافسية المنتجات الجزائرية في الأسواق العالمية.
هل تنجح الجزائر في المنافسة العالمية؟
رغم وضوح الرؤية، يبقى نجاح هذه الخطة مرهونًا بمدى قدرة الجزائر على تجاوز تحديات السوق السوداء، تهريب الهواتف، ونقص سلاسل التوريد المحلية. فالتحدي الأكبر هو بناء منظومة صناعية متكاملة تشمل التصميم، البرمجيات، الصيانة، وخدمات ما بعد البيع، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة في البحث والتطوير.
إذا ما نجحت الجزائر في تنفيذ هذه الاستراتيجية كما هو مخطط لها، فإن حلم تأسيس إمبراطورية صناعية عربية في قطاع الهواتف الذكية لن يكون بعيد المنال، خاصة مع توفر الإرادة السياسية، الدعم الحكومي، وحماس الشباب الجزائري الذي يمتلك الكفاءات اللازمة.