الجزائر... بوابة التجارة الإفريقية والبحر المتوسط
في قلب شمال إفريقيا، تبرز الجزائر كقوة صاعدة ترسم ملامح جديدة للتجارة العالمية. إنها ليست مجرد دولة عابرة للقارات، بل عقدة رئيسية في شبكة الممرات التجارية التي تربط أوروبا بإفريقيا، وتصل الشرق بالغرب. فمن السواحل المترامية على البحر الأبيض المتوسط، إلى عمق الصحراء الكبرى حيث تمتد الطرق البرية العابرة للقارات، ومن الموانئ الضخمة إلى السكك الحديدية الحديثة، تُعيد الجزائر صياغة دورها الاقتصادي والاستراتيجي كمركز تجاري محوري لا غنى عنه.
الطريق العابر للصحراء... شريان يربط الشمال بالجنوب
لا يمكن الحديث عن ممرات الجزائر التجارية دون الإشارة إلى الطريق العابر للصحراء، أحد أضخم المشاريع القارية التي تربط شمال إفريقيا بعمقها الإفريقي. هذا المشروع العملاق الذي يمتد لمسافة 4,500 كيلومتر، يربط الجزائر بتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا وتونس، ليشكل ممرًا اقتصاديًا هامًا يعزز التجارة بين 6 دول إفريقية، ويختصر المسافات، ويخفض تكاليف النقل البري بشكل كبير.
المشروع لا يقتصر على الطريق الرئيسي فحسب، بل يشمل أيضًا 4,600 كيلومتر من الطرق المغذية، ما يجعل منه شبكة متكاملة تعزز تدفق السلع والخدمات وتدعم حركة الأفراد بين دول إفريقيا شمالًا وجنوبًا. إنه رهان استراتيجي على إفريقيا المزدهرة، حيث تسعى الجزائر لأن تكون بوابة أوروبا نحو أسواق القارة السمراء، وخاصة في ظل تزايد أهمية التجارة البينية الإفريقية بعد توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA).
الطريق السيار شرق-غرب... مشروع القرن
في الاتجاه الموازي، تحتضن الجزائر مشروعًا ضخمًا آخر لا يقل أهمية، يُعرف بـ"الطريق السيار شرق-غرب" أو "مشروع القرن"، الذي يمتد من الحدود المغربية غربًا إلى الحدود التونسية شرقًا، على مسافة 1,216 كيلومتر. هذا الطريق السريع الحديث يمر بأكبر المدن الجزائرية مثل الجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة، وعنابة، مما يحوّله إلى عصب النقل الداخلي والخارجي، خاصة أنه يتقاطع مع عدة طرق تربط الموانئ البحرية بالمدن الداخلية، ومع خطوط السكك الحديدية التي تخترق البلاد.
بتكلفة تجاوزت 13 مليار دولار، يشكل هذا المشروع ركيزة لتسهيل حركة البضائع والركاب، ويعزز الاندماج الاقتصادي المغاربي، إذ يُمكّن الجزائر من لعب دور الجسر التجاري بين المغرب وتونس، وكذلك الربط بين الشمال الإفريقي وأوروبا عبر البحر.
الموانئ البحرية... أبواب الجزائر على العالم
يمتد الساحل الجزائري بطول 1,600 كيلومتر، يحتضن 13 ميناءً تجاريًا رئيسيًا، أبرزها: ميناء الجزائر العاصمة، ميناء وهران، ميناء سكيكدة، ميناء بجاية، ميناء عنابة، وغيرها. هذه الموانئ تمثل الشريان الحيوي لصادرات الجزائر، خاصة النفط والغاز الطبيعي، التي تشكل أكثر من 90% من إجمالي صادرات البلاد.
ميناء الجزائر العاصمة يعد مركزًا رئيسيًا للحاويات، بينما يتخصص ميناء سكيكدة في تصدير الطاقة، خصوصًا غاز البترول المسال LNG والنفط الخام. أما ميناء وهران فهو المنفذ الأهم نحو دول غرب البحر المتوسط، في حين يبرز ميناء بجاية كقاعدة لتصدير النفط ومنتجات الصناعات التحويلية.
هذه الموانئ ليست مجرد منافذ بحرية، بل مشاريع استراتيجية متكاملة ترتبط بشبكة الطرق الوطنية والسكك الحديدية، مما يعزز دور الجزائر كمركز لوجستي إقليمي، يسهل التجارة بين أوروبا، إفريقيا، ودول الشرق الأوسط.
السكك الحديدية... العمود الفقري للتجارة الداخلية والخارجية
لا تكتمل صورة الممرات التجارية الجزائرية إلا بشبكة السكك الحديدية الممتدة على أكثر من 4,200 كيلومتر. هذه الشبكة الحديثة تربط الموانئ بالمناطق الصناعية والزراعية في الداخل، وتُعد ضرورية لنقل البضائع الثقيلة كالمعادن والفوسفات وخام الحديد من المناجم الجنوبية إلى موانئ الشحن في الشمال.
تعمل الجزائر على تطوير خطوط جديدة، خاصة نحو الجنوب، حيث تم إطلاق مشروع ربط العاصمة الجزائرية بمدينة تمنراست، القريبة من الحدود النيجرية، بخط طوله أكثر من 2,400 كيلومتر. هذا المشروع الضخم سيفتح الباب لتجارة نشطة مع دول الساحل والصحراء الكبرى، ويعزز تصدير الموارد الطبيعية.
الجزائر... مركز استراتيجي للتجارة العالمية
بفضل هذه الممرات البحرية والبرية والسككية، تتحول الجزائر إلى لاعب رئيسي في التجارة الإقليمية والدولية. موقعها الجغرافي يجعلها بوابة بين ثلاث قارات: إفريقيا، أوروبا، وآسيا، خاصة في ظل مشاريع التعاون مع الصين ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، ومشاريع الربط مع موريتانيا ودول غرب إفريقيا.
وفي ظل تصاعد أهمية الأمن الغذائي والطاقي عالميًا، تلعب الجزائر دورًا محوريًا كمصدر رئيسي للطاقة، وكمركز للتخزين والتوزيع. هذه القدرات مجتمعة تعزز مكانة الجزائر الاقتصادية والسياسية، وتجعلها رقما صعبًا في معادلة التجارة الدولية.