تتجه مصر اليوم بخطى ثابتة نحو تأسيس صناعة قطارات متكاملة ومستقلة، في سباق حقيقي مع دول إفريقية وعربية، خاصة المغرب، لفرض حضورها كقوة صناعية رائدة في القارة السمراء. هذه الرؤية الطموحة، التي تم إطلاق شرارتها قبل أكثر من 180 عاماً منذ تأسيس أول خط سكك حديدية في مصر عام 1834، تعرف اليوم قفزة هائلة عبر مشروع القطار الكهربائي السريع 2025، الذي يمثل نقطة تحوّل تاريخية للصناعة الوطنية.
مصر لا تسعى فقط للتصنيع، بل لتوطين الصناعة بالكامل بأيادٍ مصرية، مستندة إلى دعم تقني متقدم من شركاء عالميين مثل ALSTOM الفرنسية، SIEMENS الألمانية، وشركات أخرى من روسيا وكوريا الجنوبية وإسبانيا. وتعمل الحكومة على إنشاء مجمع صناعي متكامل يديره مصنع الشركة المصرية العامة لمهمات السكك الحديدية (SEMAF)، والتي لعبت دوراً محورياً في تصنيع عربات مترو القاهرة، محققة نسبة إدماج محلي تجاوزت 90% في إنتاجاتها الأخيرة.
تتركز خطة مصر على تعزيز الاكتفاء الذاتي عبر إنتاج وحدات متحركة، قضبان سكك حديدية، وقطع غيار محلية الصنع، مع توسيع التعاون بين الشركات المحلية والأجنبية، لتطوير كفاءات العمالة وتدريبها. فالعقد مع الشركة الإسبانية تانجو لإنشاء مصنع مشترك لعربات السكك الحديدية يُعد نموذجاً مثالياً على هذا النهج.
وفي ظل التحديات الاقتصادية العالمية، تؤمن مصر بأن هذا التوجه الصناعي هو السبيل لتقليل خسائر استيراد المكونات الحيوية التي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار سنوياً، ولخلق آلاف فرص العمل، وتسريع وتيرة تصدير المنتجات النهائية إلى دول إفريقيا.
مشروع القطار الكهربائي السريع 2025 الذي سيُشغل بمشاركة المقاولون العرب وأوراسكوم وشركة SIEMENS سيشكل نقلة نوعية في منظومة النقل البري، إذ يمتد على 2000 كيلومتر، ويشمل خطوط نقل حضري وشحن بري متطورة، مما يرسخ مكانة مصر في سوق السكك الحديدية الإقليمي والدولي.
إنها حقاً نقطة انطلاق نحو عصر جديد للصناعة القومية، يعكس عراقة مصر في هذا المجال وتطلعاتها لتصبح الرقم واحد في إفريقيا بصناعة القطارات.