ميناء الحمدانية في الجزائر هو أحد أكبر المشاريع الاقتصادية الطموحة في القارة الإفريقية، الذي يُعد بحق مشروع القرن الجزائري، ويهدف إلى تحويل الجزائر إلى مركز لوجستي وتجاري ضخم يربط بين إفريقيا وأوروبا وآسيا. يقع هذا الميناء الاستراتيجي شمال قرية الحمدانية قرب مدينة شرشال بولاية تيبازة، وهو مشروع يمتد على مساحة كبيرة ويضم مرافق حديثة ومتطورة تستوعب السفن الضخمة، مع قدرة على معالجة ملايين الحاويات والبضائع سنويًا.
بدأت فكرة ميناء الحمدانية عام 2013، لكنه تأخر في التنفيذ لأسباب متعددة، منها الضغوط الإدارية والمالية، إلى أن استُأنف العمل عليه فعليًا عام 2020 في إطار شراكة استراتيجية مع الصين، ضمن مبادرة "طريق الحرير الجديد". يُقدّر حجم استثمارات المشروع بحوالي 6 مليارات دولار، ويهدف لإنهاء جميع مراحله بحلول عام 2030.
يمتاز ميناء الحمدانية بموقعه المتميز المطل على البحر الأبيض المتوسط، حيث يتصل بخطوط سكك حديدية وبرية تمتد إلى عدة دول إفريقية جنوبًا، ما يجعل منه بوابة رئيسية لربط دول الساحل الإفريقي بالعالم الخارجي، ويُعد عنصرًا أساسيًا لفك عزلة العديد من الدول الإفريقية غير الساحلية. وقد صُمم الميناء ليستوعب أكثر من 6.5 مليون حاوية و25.7 مليون طن من البضائع سنويًا، مما يعزز موقع الجزائر على خريطة التجارة العالمية.
تكمن أهمية ميناء الحمدانية في تحديث البنية التحتية البحرية الجزائرية التي عفا عليها الزمن منذ فترة الاستعمار الفرنسي، حيث إن معظم الموانئ الجزائرية القديمة غير قادرة على استقبال السفن الحديثة الضخمة بحمولة تصل إلى 240 ألف طن، بينما الموانئ الحالية تقبل سفنًا بحمولة لا تتجاوز 30 ألف طن. وبذلك، يعد ميناء الحمدانية خطوة حاسمة لدعم الاقتصاد الجزائري وتمكينه من مواكبة تطورات النقل البحري العالمي.
واجه المشروع في بداياته عدة تحديات، منها النزاعات حول التمويل والإدارة، حيث كان من المقرر أن تمول الصين المشروع بالكامل عبر قرض طويل الأجل، لكن الأوضاع المالية للجزائر بعد انهيار أسعار النفط دفعت لتعديل خطة التمويل لتشمل مشاركة جزائرية عبر الصندوق الوطني للاستثمار إلى جانب البنك الصيني "إكزن بنك". هذا التعديل ساهم في ضمان استمرارية المشروع وتلبية المتطلبات اللوجستية الحديثة.
على الصعيد الإفريقي، يأتي ميناء الحمدانية كمشروع مفتاحي في تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، خصوصًا مع وجود خط الطريق العابر للصحراء الذي يربط بين الجزائر ونيجيريا مرورًا بدول الساحل. هذا يتيح فرصة كبيرة لتسهيل حركة البضائع وتقليل تكاليف النقل والوقت، خصوصًا للدول التي تعتمد على موانئ بعيدة مثل الكاميرون.
ورغم أنه لا يزال قيد الإنشاء، إلا أن ميناء الحمدانية يُعتبر منافسًا قويًا لميناء طنجة المتوسط المغربي، الذي حقق إنجازات ضخمة خلال السنوات الماضية، حيث أصبح من أكبر الموانئ في البحر الأبيض المتوسط، ويستقبل ملايين الحاويات سنويًا، ويضم شبكة صناعية ضخمة تجذب استثمارات عالمية في قطاعات مثل السيارات والطائرات والنسيج.
يتوقع أن يكون النجاح النهائي لميناء الحمدانية مرهونًا بسرعة التنفيذ، ومستوى التكنولوجيا والخدمات المقدمة، وقدرته على الاندماج في الشبكات اللوجستية والتجارية الدولية. كما أن الشراكة مع الصين في إطار مبادرة طريق الحرير تفتح أمام الميناء آفاقًا واسعة للربط مع الأسواق الآسيوية والأوروبية.
في المجمل، يُمثل ميناء الحمدانية نقطة تحول استراتيجية للاقتصاد الجزائري وللقارة الإفريقية بشكل عام، فهو ليس مجرد ميناء بحري، بل بوابة تنموية قد تعيد رسم خريطة التجارة الدولية في المنطقة، وتمنح الجزائر دورًا رياديًا في ربط إفريقيا بالعالم.