في خطوة تاريخية تعكس التحول الكبير الذي تشهده القوات الجوية الجزائرية، دخلت مقاتلات "سوخوي 35" الحديثة الخدمة رسمياً في صفوف سلاح الجو الجزائري، لتُعزز بذلك قدرات الجزائر الدفاعية والهجومية، وترفع من مكانتها كقوة جوية لا يستهان بها في منطقة شمال إفريقيا والعالم العربي. هذه الخطوة وضعت الجزائر على خارطة الدول القليلة التي تمتلك هذه المقاتلات المتطورة، وجعلت العواصم الإقليمية والغربية تعيد حساباتها العسكرية والاستراتيجية تجاه الجزائر.
لطالما شكلت سوخوي 35 مصدر قلق كبير للغرب، خصوصًا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لما تملكه من إمكانيات قتالية وتقنية مذهلة، تفوق في بعض الأحيان ما تملكه مقاتلات الجيل الخامس مثل F-35 الأمريكية. وتُصنف سوخوي 35 ضمن مقاتلات الجيل الرابع++، حيث تتمتع بقدرات هائلة على المناورة الجوية بفضل محركات الدفع الموجه، بالإضافة إلى رادار قوي من نوع Irbis-E القادر على تتبع أكثر من 30 هدفًا جويًا في وقت واحد، وضرب أهداف على مسافات تصل إلى 400 كلم.
تعتبر هذه الصفقة نقلة نوعية لسلاح الجو الجزائري، الذي يسعى لتحديث ترسانته الجوية في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، والتوترات المتزايدة في البحر المتوسط والساحل الإفريقي. وبفضل هذه الطائرات، أصبح الجيش الجزائري قادراً على تنفيذ عمليات اعتراض جوي، وضربات دقيقة ضد الأهداف البرية والبحرية، ومهام السيطرة الجوية طويلة المدى، مما يجعل الأجواء الجزائرية محمية بشكل غير مسبوق في تاريخ الجيش الوطني الشعبي.
ولم يأتِ اختيار الجزائر لهذه الطائرة عن عبث؛ فمقاتلة سوخوي 35 تعد من بين الأفضل في العالم حاليًا، وتنافس نظيراتها الغربية بكل جدارة، خصوصًا في المعارك الجوية القريبة (Dogfight) بفضل قدراتها الفريدة على المناورة. وتتميز هذه الطائرة بحملها لترسانة واسعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ جو-جو بعيدة المدى، وصواريخ جو-أرض دقيقة التوجيه، وقنابل موجهة بالأقمار الصناعية، بالإضافة إلى أنظمة تشويش وحرب إلكترونية متقدمة تجعل منها خصمًا صعب المنال حتى لأحدث الدفاعات الجوية.
صفقة سوخوي 35 بين الجزائر وروسيا جاءت في وقت حساس تشهده المنطقة، حيث تراجعت الولايات المتحدة عن بيع مقاتلات F-35 لعدة دول عربية، مما فتح الباب أمام روسيا لتوسيع نفوذها التسليحي في المنطقة، والجزائر كانت على رأس هذه الدول. هذه المقاتلات ستُمكّن الجزائر من بسط سيطرتها الجوية على المجالين البحري والبري، خاصة في ظل مشاريع ضخمة تنفذها الجزائر في حقول النفط، الغاز، والموانئ الاستراتيجية.
من جهة أخرى، تُعد هذه الطائرات عنصرًا مكملًا لمجموعة الغواصات الروسية المتطورة التي تمتلكها الجزائر، لتُشكل معًا قوة ردع شاملة تحت البحر وفي الجو، في مشهد يُعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة المغاربية والإفريقية ككل.
لا تقتصر الأهمية الاستراتيجية لمقاتلات سوخوي 35 على قدراتها القتالية فقط، بل تمتد لتُعزز موقع الجزائر كقوة إقليمية صاعدة، تفرض احترامها على القوى الكبرى، وتدفع المنافسين في المنطقة لمراجعة حساباتهم. كما تُعد هذه الصفقة مقدمة محتملة لاقتناء الجزائر لمقاتلات الجيل الخامس الروسية "سوخوي 57"، ما سيجعل الجزائر الدولة العربية الأولى التي تدخل نادي هذا الجيل من المقاتلات.
في الختام، تثبت الجزائر للعالم أجمع أنها تخطط بعناية، وتتحرك بذكاء، من أجل بناء جيش عصري وقوي، قادر على حماية السيادة الوطنية والدفاع عن المصالح الاستراتيجية للدولة، في ظل بيئة دولية متقلبة ومعقدة.